السبت، 26 يوليو 2014

79# الرق والعبودية في الإسلام .. ولماذا لم يوقفهما الإسلام مرة واحدة ؟


مقارنة بين الإسلام وغيره في ضوء الثلاثة منشورات السابقة .

صورة: ‏79#
الرق والعبودية في الإسلام .. ولماذا لم يوقفهما الإسلام مرة واحدة ؟
مقارنة بين الإسلام وغيره في ضوء الثلاثة منشورات السابقة .

لعل الإجابة السائدة المنتشرة هي : أنه لو تم تحرير كل العبيد مرة واحدة فسيختل المجتمع بظهور المئات أو الآلاف من الرجال والنساء فجأة بغير عمل ولا عائل فيلجأون للسرقة أو السطهو أو الدعارة للتكسب - وهذا الجواب إن كان صحيح عقلا ومنطقا - إلا أن فيه بعد كذلك عن تصور الوضع في واقعه فضلا عن تخيله في عصره .

إذ قبل أن نستعرض الرد نقول : ((إن الحُكم على الشيء فرع عن تصوره))، أي أن الذي يُصدر حُكما على شيء ما يكون هذا الحُكم صادر عن تصور صحيح لهذا الشيء ، لأنه كلما كانت صورة هذا الشيء غير صحيحة في ذهن الذي سيحكم عليه أو يتكلم فيه ، سيكون حُكمه غير صحيح أو غير دقيق كذلك. وبما أن الرق أو العبودية اليوم غير موجودين بالشكل الذي كانوا عليه بالضبط – وإن كان هناك صور اليوم أبشع مِن ذلك مثل تجارة الدعارة أو الرقيق الأبيض – فهذا الغياب (وخصوصا للرق في الإسلام وعظمة ما فيه من مراعاة الإنسان) يجعل الحاكم على مسألة الرق غالبا يُصدر أحكامه بناء على الصورة النمطية التي كانت منتشرة في الماضي وإلى قرن مضى مِن الوحشية في معاملة الرقيق أو العبيد وظلمهم والتعدي الجنسي السافر والسافل على النساء بالاغتصاب وتعدد الممارسات على المرأة الواحدة في نفس الوقت من السيد وأولاده أو أصدقائه أو حتى إجبارها على الدعارة والبغاء للتكسب مِن ورائها !! 

وإذا أردنا أن نمثل هذه العبارة الصادقة والتي اشتهر بها الفقه الإسلامي في عقلانيته – وهي أن الحُكم على الشيء فرع عن تصوره – لمثلناه بما يعرفه المثقفون والمنطقيون اليوم بمغالطة العصرانية أو Presentism ، أو بما يُعرف في مجال اللسانيات والمصطلحات بـ Etymological fallacy حيث تصب المعاني كلها في خطأ الأحكام المُسبقة وخطأ التحليل الناتج عن مُحاكمة أشياء ماضية بالوضع الحاضر أو المعاصر البعيد أو المختلف عنها.

وأما بالنسبة إلى بقاء تشريع الرق في الإسلام وعدم تحريمه بنص قاطع، فيجب أن ندرك أن الإسلام هو دين الله تعالى الخاتم، والمناسب لكل زمان ومكان ببدائله وتوفيقاته الشرعية والفقهية المرنة التي لا توجد في مثله مِن الأديان الوثنية أو البشرية أو حتى الرسالات السماوية التي سبقته، وذلك لأن كل مِنها كانت محدودة بالأمة الخاصة بها ولعدم وصول البشرية إلى النضج التواصلي الذي صار من عهد الإسلام وتزايد إلى اليوم حتى صار كالقرية الواحدة أو الصغيرة.

ومِن هنا : فإن الإنسان منذ قديم الزمان ونشأة الحروب لمختلف الأسباب – سيادية قبلية انتقامية سطو احتلال إلخ – وقد عرف نظام الرق أو العبودية كحل أمثل مع المنهزمين أو الأسرى الذين يقعون تحت يديه، وخاصة النساء والأطفال الذين يبقون بعد القتل بلا مأوى أو عائل يعيلهم وهم في حد ذاتهم ثروة بشرية في تلك الأزمان للاستخدام في الخدمة أو الزواج أو التسري بهن (التسري هو استمتاع السيد بما يملكه ويختاره مِما ملكت يمينه كاستمتاع الزوج بزوجته وإنجابه منها أولادا كأولاده وكما في قصص العديد من الأنبياء من قبل مثل إبراهيم عليه السلام وهاجر ومثل يعقوب وغيرهما) 

إذ لم يكن هناك أي معنى في تلك العصور لترك مثل هؤلاء ليعودوا فينتقموا، أو ترك النساء للجوع يقتلهم أو تركهن ليتصرفن في أنفسهن بالبيع للخدمة أو حتى العمل في الدعارة أو البغاء ليتحصلن على قوتهن وقوت أولادهن الصغار إن وُجدوا.
وكان هذا الأوفق لضم مثل هؤلاء الرجال والنساء والأطفال تحت سلك نظام مجتمعي يضمن لهم الحياة والعيش بدلاً مِن أن يفتح لهم طرائق السرقة والتعدي والفساد والإفساد. حتى أن بعض منظري الفلسفة اليونانية القديمة اعتبروا الرق والعبودية في تلك الأزمان ضرورة حياتية ومنطقية جدا !! 

ومِن هنا ظهرت تجارات كاملة في مسألة الرق أو العبيد في كل بقعة مِن بقاع العالم القديم تقريبا .

فهذه كانت الأوضاع الموجودة بالفعل في كل الأمم والأديان قبل الإسلام، وكانت مُتعارفة بين الناس بحلوها ومُرها، وهنا نسأل: ما الذي تميز به الإسلام بشرعه الإلهي في هذه المسألة؟

أولا :
لم يُخالف الإسلام غيره في الإبقاء على أصل نظام الرق، ولكنه جعله حلا اختياريًا بيد الحاكم وليس حتميا كما يحاولون تشويه الإسلام به للأسف، نرى ذلك في حرية التعامل مع المنهزمين أو الأسرى وأهليهم عند المسلمين، واختيار الحاكم بين العفو المُطلق عنهم وإطلاق سراحهم بغير مقابل، أو السماح بمقابل أو فدية لهم، أو استغلال الإبقاء عليهم لمبادلة أسرى مسلمين عند العدو، فكل هذه الحلول هي مطروحة بين يدي ولي الأمر. وإلا فإنه مِن غير المنطقي أن يأسر ويستعبد أعداء الإسلام المسلمين ثم لا يكون هناك المِثل بيد المسلمين !! 

ولا زال التاريخ المُشرق للإسلام يذكر العفو المُطلق عن الكافرين المُنهزمين بغير مُقابل ليضحد أسطورة الرق والتشفي التي يتم إلصاقها بالإسلام، فها هو رسول الله صلى الله عليـه وسلم بعد فتح مكة وذل أهلها بين يديه وهم الذين اضطهدوه وأصحابه مِن قبل بالمضايقات والقتل والتعذيب يُخبرهم جميعًا بأنهم طلقاء أحرار !! وها هو صلاح الدين الأيوبي وأخيه العادل يُطلقون سراح الآلاف مِن الصليبيين بعد هزيمتهم في حطين رحمةً بهم وبنسائهم وأطفالهم الذين تركهم كبار القساوسة وهربوا بأموالهم وذهبهم ولم يفكروا حتى بفدائهم !!

إذن نخرج مِن هنا بأن الرق في نظر الإسلام هو مجرد اختيار مطروح مِن بين خيارات عديدة أخرى حسب الحاجة والمصلحة الدينية والدنيوية والسياسية وليس اختيارا حتميا كما وضحناه !!
بل وكان الإسلام يرى فيه خيرا كبيرا للرقيق مِن جهتين، الأولى وهي المعاملة الحسنة الفريدة التي لم توجد في غير الإسلام بالفعل معهم، والثانية هي فتح باب عرض الإسلام عليهم ومعاينته على أرض الواقع فيدخل فيه مَن يدخله مِنهم فيكون قد نجا في الآخرة أيضا مِن الكفر.

ثانيا :
خالف الإسلام غيره في حصر مصدر وسبب الرق في الحرب فقط، وكأن في ذلك حكمة وهي ان الكافر الذي حارب المسلمين كيلا يكون عبدا لله : استحق أن يكون عبدا لغير الله وهو إنسان مثله ، في حين حرّم الإسلام ذلك عن أي طريق آخر يتحول فيه الإنسان الذي خلقه الله تعالى حرا إلى عبد، مثل السطو مثلا أو السرقة والتعدي إلخ. ولذا جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليـه وسلم قوله:
" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حُرا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره ".

ثالثا :
خالف الإسلام غيره أيضا في الإعلاء مِن قيمة عتق رقبة العبيد والحث عليها والترغيب فيها ومضاعفة أجرها لمَن يريد، يقول الله عز وجل:
" فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة * يتيمًا ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة " البلد 11 – 16.

والعقبة هنا هي الحائل بين الإنسان الصالح وفعل الخيرات ، فيتخطاها بعتق رقبة أو إطعام في يوم شديد القحط والجوع يتيمًا أو مسكينا.
وكذلك يقول الرسول صلى الله عليـه وسلم:
" مَن أعتق رقبة مسلمة: أعتق الله بكل عضو منه عضوا مِنه مِن النار " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

بل : قد جعل الله تعالى ورسوله مِن عتق الرقبة: كفارة لبعض كبار الذنوب والآثام !!
ففي قتل المؤمن بغير قصد (سواء مِن بين المسلمين أو كان مِن قوم عدو للمسلمين أو قوم بيننا وبينهم ميثاق): فتحرير رقبة مؤمنة.
وفي اللغو في الأيمان (أي الذين يحلفون ويُقسمون ثم يحنثون في حلفهم أو قسمهم): فتحرير رقبة.  
وأيضًا في الظهار (أي قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي فيتمنع بذلك مِن جماعها وقد نهى عنه الإسلام) فعليه بتحرير رقبة قبل أن يعود إليها.
وكذلك في الذي يُـفسد صيامه بجماع زوجته في رمضان: فعليه بعتق رقبة.

ولذلك لم تشهد أمة مِن الأمم حالا أيسر للعبيد والرق بين جنباتها وكثرة تحرير لهم وعتقهم بالعشرات أحيانا رحمة وجودا وسخاء مثل أمة الإسلام. وبالصورة التي كفلت تناقص العبيد تدريجيا حتى اختفوا مِنها: في حين بقيت العبودية لدى أمريكا نفسها – داعية الحرية وحقوق الإنسان – إلى قرن واحد فقط مضى وصاحبها اضطهاد وازدراء للعبيد – وخاصة الزنوج أو السود - وكأنهم جنس أدنى مِن البشر !

رابعا :
وهو مِن أهم ما تميز به الإسلام عن غيره ولم يعرف له العالم مثيلا في سموه ورقيه ورحمته: وهو وضع عدد كبير مِن التشريعات القرآنية والنبوية لصالح العبيد، وبالصورة التي تجعلنا ندرك أن حالهم بين جنبات الإسلام على مر القرون هو أفضل مِن حال موظفين اليوم وخدم وعاملين ومسجونين ومعتقلين وأسرى وأسيرات!! 

بل وإلى الدرجة التي يقول فيها أبو هريرة الصحابي الجليل رضي الله عنه وكما في صحيح البخاري:
" قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: للعبد المملوك الصالح أجران (أي أجر طاعته لربه وأجر طاعته لمالكه أو سيده) " ثم يقول أبو هريرة:
" والذي نفسي بيده (وهي صيغة قسم بالله): لولا الجهاد في سبيل الله والحَج وبر أمي: لأحببت أن أموت وأنا مملوك " !!..

فما هي أمثلة تلك التشريعات السامية التي كفلها الإسلام لرفعة حال العبيد والرقيق ورفع الظلم عنهم؟
------------------------------------------------

1- جعل النبي المَخرج لمَن يؤذي عبدا له أو غلاما أو جارية أن يُعتق رقبته !! فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : " كنت أضرب غلامًا لي (أي مملوكا صغير السن، والمملوكة الصغيرة تسمى جارية)، فسمعت مِن خلفي صوتا يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك مِنك عليه !! فالتفت.. فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم !!  فقلت: يا رسول الله.. هو حرٌ لوجه الله تعالى !! فقال له: أما إنك لو لم تفعل: للفعتك النار " !! رواه الإمام مسلم في صحيحه.

2- جعل الله تعالى الحق لأي عبد (وهو الرجل أو الغلام المملوك) أو أمة (وهي المرأة أو الجارية المملوكة) أن يُكاتب سيده على عطاء معين مِن مال أو غيره بحيث إذا أداه له في فترة معينة أن يُعتق رقبته!! فهل سمع أحد بمثل ذلك في أمة مِن الأمم؟! أن يكون مثل ذلك التصرف الإنساني الراقي هو مِن التشريع والدين نفسه بل: ويجعله الله تعالى مِن مصارف الزكاة الثمانية في عتق رقاب العبيد؟! وبالطبع المُكاتبة تعطي مؤشرًا مُجتمعيًا على أن العبد أو الأمة صار في حال يمكنه التكسب فيه لنفسه بالعمل الحلال بجانب خدمته لسيده، وأنه لو نال حريته فلن يكون عالة على المجتمع.

3- وحتى إذا مات رجل وترك مِن ميراثه عبدا أو أكثر – لأن العبيد كان يتم بيعهم وشرائهم كما قلنا على حسب مدى منفعته لأهله أو الناس – فإذا قرر أحد الورثة عتق رقبة ذلك العبد بمال يدفعه لهم: كان على هؤلاء الورثة (وجوبا) أن يبيعوه نصيبهم في ذلك العبد ليُعتقه !!

4- أيضا أمر النبي كل مسلم تحت يده أو في ملك يمينه عبد أو أمة أو أكثر: أن يُطعمه مما يطعم !! وأن يُلبسه مما يلبس !! وبلا أي فروقات ظاهرية بينهم في مستوى المعيشة !! فقال صلى الله عليه وسلـم: "إخوانكم : جعلهم الله تحت أيديكم (وانظروا لوصف العبيد بإخوان المسلمين) ، فمَن كان أخوه تحت يديه: فليُطعمه مِما يأكل !! وليُـكسه مِما يلبس !! ولا يُكلفه ما يغلبه (أي ما لا يستطيع فعله مِن الأعمال الشاقة) !! فإن كلفه ما يغلبه : فليُعينه" !! نقول: وهذا ما لا يجده أغلب الخدم أنفسهم والموظفين والعمال اليوم في القرن الواحد والعشرين مِن المعاملة والرفق !! والحديث رواه أبو داود وصححه الألباني.

5- كذلك بالنسبة للمرأة المملوكة، نقرأ معا هذا الحديث العجيب والوصاية السامية بها حيث يقول رسول الله صلـى الله عليه وسلم: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين (لأنهم فعلوا الخير مرة وأحسنوا بإكماله مرة أخرى حينما تيسر لهم) : رجلٌ مِن أهل الكتاب آمن بنبيه: وأدرك النبى صلى الله عليه وسلم وآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبدٌ مملوكٌ أدى حق الله: وحق سيده فله أجران، ورجلٌ كانت له أمة: فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران" !! رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما !! فأين مَن يُصورون حال المرأة في الإسلام والرق بالتوحش والتعدي والاغتصاب والدونية والهمجية والقهر؟!

6- بل بلغت رأفة الإسلام بالمرأة المملوكة أنها إذا كان لها زوجٌ مملوكٌ مثلها – سواء لنفس السيد أو غيره – ثم أعتقها سيدها أو كاتبته فأعتقت نفسها: فلها الخيار ساعتها أن تبقى في عصمة زوجها المملوك أو يتم تفريقها عنه إذا كان يجرحها أن تكون حُرة وزوجها عبد !!

7- بل وبلغ احترام الإسلام لإنسانيتها – ولنقارن ذلك بفواجع وهمجية الاغتصاب والاغتصاب الجماعي الذي يتم للنساء في الحروب وفي السجون والمعتقلات – أننا لم يبلغنا حالة واحدة ولا في أي كتاب مِن كتب السيرة أو التاريخ أو الأحاديث أن مسلما أجبر أمته أو مَلكة يمينه على الجماع أو التسري بها !! وهذا رد قاصم على مثيري الشبهات الذي يفترون على الإسلام والمسلمين الكذب والفحش والزور بغير دليل واحد لو طالبتهم به !! بل بلغ مِن عظمة التشريع الإنساني أن الأمة أو مَلكة اليمين إذا رضيت هي نفسها بالجماع: فلا يحق لسيدها جماعها قبل شهر أو شهرين استبراء لرحمها لو كانت متزوجة مِن قبل – وحتى لا تختلط الأنساب – وأما إذا كانت حاملا : فلا يقربها سيدها قبل أن تضع أو كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسـلم: " لا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر: أن يسقي ماءه زرع غيره !! ولا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر: أن يقع على امرأة مِن السبي حتى يستبرئها " !! صحيح الجامع الصغير للألباني 2/ 6507. 

وفي تشريع جواز تسري السيد بملكة يمينه مراعاة لمشاعر الأمة وخصوصا إذا كانت صغيرة أو شابة أو لها رغبة في الجماع، فيكون قد كفل لها تلبية شهوتها الإنسانية المُباحة بعيدا عن الوقوع في رذيلة الزنا أو البغاء وإفساد المجتمع المُترتب عليه، وهذا فيه مِن حكمة الشرع ما فيه لمَن يعقل. وبغير جبر أو اغتصاب كما قلنا.

8- بل وبمجرد أن تصير المرأة سرية لسيدها، فإنها لا تتزوج ولا يقربها أحد غيره – أي تصير بمنزلة الزوجة في حُرمتها على غيره – وكذلك إذا زوجها سيدها بعبد آخر أو حُر: فلا يحل لسيدها أن يقربها أو يواقعها أو يرى مِنها ما لا يجوز إلا ما يتبدى مِنها حال الخدمة. أيضا إذا تسرى السيد بأمته أو مَلكة يمينه فولدت مِنه: فبذلك تضمن حريتها بعد موت سيدها أو كما قال عمر رضي الله عنه: " أيما أمة ولدت مِن سيدها: فهي حُرة بعد موته، إلا أن يعتقها قبل موته " !! والحديث وإن كان ضعيفا لأنه موقوف على عمر رضي الله عنه - انظر الجامع الصغير للألباني 2218 – إلا أن العمل عليه في الفقه لأن النبي أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعده ومنهم عمر. 

9- وكذلك لا يحق للسيد أن يمنع عبده إذا ما أراد الزواج. بل يحثه الإسلام على تيسير ذلك له ومساعدته فيه إذا استطاع !!

10- أيضًا قد جعل الله تعالى برحمته عقاب أو حدود العبيد أو الإماء: هي النصف مِن عقاب أو حدود الأحرار حتى في الزنا !! وذلك رأفة بهم ومراعاة لانكسار أمرهم في المجتمع وقلة الأسري ومِن الأهل لهم أو تجني الفسقة عليهم أكثر مِن غيرهم. بل وأخبر سبحانه أنه إذا أجبر أحد الناس إماءه أو فتياته على البغاء أو الزنا فليس عليهن ذنب لأنهن مجبورات بغير رضاهن، فيغفر الله لهن وتكون العقوبة على السيد نفسه. 
-----------------------------------------------------

وأخيرا :
نأتي إلى السؤال الختام الذي غالبا ما يطرحه البعض بهدف إحراج الإسلام وفقهه وشرعه وهو: هل نقول أن تشريع الرق انتهى اليوم بانتفاء الحاجة إليه؟ فنقول لهم:

إذا تبصرنا في أحوال الرقيق التي سردنا بعضها فقط في الأعلى، لوجدناها أرقى وأسمى مِن الكثير مما وقع ويقع مِن مآسي الحروب وما تخلفه وراءها مِن جرائم قتل وإبادة للعزل والضعفاء والمدنيين مِن الرجال والنساء والأطفال وكبار السن. ولوجدنا ان نظام الرق في الإسلام هو أقرب للعمل في البيوت بغير أجر إلا الطعام مِما يطعمه أهل البيت والاكتساء مِما يكتسون سواء بسواء !! وأنه لا يُكلف ما لا يطيق مِن الأعمال إلا أن يُساعدوه عليها !! وأنه يبقى مِن موالي أهل البيت حتى بعد عتقه، وأنه له الحرية – بموافقة سيده – أن يعمل عملا جانبيا خارج البيت للتكسب أو تمهيدا للمكاتبة أو عتق رقبته وخصوصا إذا أسلم – وقد شهد التاريخ الإسلامي دولة بأكملها نشأت على أكتافهم وهي دولة المماليك وكانت في حينها مِن أقوى الدول الإسلامية! – 

وعليه: فالإسلام لا مانع لديه مِن عودة نظام الرق إذا عاد بالمثل في العالم كله، أو اضطرته الظروف إليه وتراضى به السادة والمملوكون أنفسهم لو اختاروه على حياة السجن أو الاعتقال والأسر لأعوام بغير حياة وأهل وزواج وعمل !! بل سيصير ساعتها – إذا تقبله هؤلاء وهؤلاء - هو الحل الأبسط والأقل كلفة مِن إنشاء السجون والمعتقلات وتكاليفها الباهظة مِن حراسة وأمن وطعام ونحوه. ويبقى الأمر – وكما وضحناه في أول الإجابة – اختيارا مُتاحا للحاكم وليس إلزاميا أو حتميا كما يظنه البعض مِن كثرة ما يُشاع عنه من أكاذيب وتشويهات.
والحُكم على الشيء : فرع عن تصوره ........‏

لعل الإجابة السائدة المنتشرة هي : أنه لو تم تحرير كل العبيد مرة واحدة فسيختل المجتمع بظهور المئات أو الآلاف من الرجال والنساء فجأة بغير عمل ولا عائل فيلجأون للسرقة أو السطهو أو الدعارة للتكسب - وهذا الجواب إن كان صحيح عقلا ومنطقا - إلا أن فيه بعد كذلك عن تصور الوضع في واقعه فضلا عن تخيله في عصره .

إذ قبل أن نستعرض الرد نقول : ((إن الحُكم على الشيء فرع عن تصوره))، أي أن الذي يُصدر حُكما على شيء ما يكون هذا الحُكم صادر عن تصور صحيح لهذا الشيء ، لأنه كلما كانت صورة هذا الشيء غير صحيحة في ذهن الذي سيحكم عليه أو يتكلم فيه ، سيكون حُكمه غير صحيح أو غير دقيق كذلك. وبما أن الرق أو العبودية اليوم غير موجودين بالشكل الذي كانوا عليه بالضبط – وإن كان هناك صور اليوم أبشع مِن ذلك مثل تجارة الدعارة أو الرقيق الأبيض – فهذا الغياب (وخصوصا للرق في الإسلام وعظمة ما فيه من مراعاة الإنسان) يجعل الحاكم على مسألة الرق غالبا يُصدر أحكامه بناء على الصورة النمطية التي كانت منتشرة في الماضي وإلى قرن مضى مِن الوحشية في معاملة الرقيق أو العبيد وظلمهم والتعدي الجنسي السافر والسافل على النساء بالاغتصاب وتعدد الممارسات على المرأة الواحدة في نفس الوقت من السيد وأولاده أو أصدقائه أو حتى إجبارها على الدعارة والبغاء للتكسب مِن ورائها !! 

وإذا أردنا أن نمثل هذه العبارة الصادقة والتي اشتهر بها الفقه الإسلامي في عقلانيته – وهي أن الحُكم على الشيء فرع عن تصوره – لمثلناه بما يعرفه المثقفون والمنطقيون اليوم بمغالطة العصرانية أو Presentism ، أو بما يُعرف في مجال اللسانيات والمصطلحات بـ Etymological fallacy حيث تصب المعاني كلها في خطأ الأحكام المُسبقة وخطأ التحليل الناتج عن مُحاكمة أشياء ماضية بالوضع الحاضر أو المعاصر البعيد أو المختلف عنها.

وأما بالنسبة إلى بقاء تشريع الرق في الإسلام وعدم تحريمه بنص قاطع، فيجب أن ندرك أن الإسلام هو دين الله تعالى الخاتم، والمناسب لكل زمان ومكان ببدائله وتوفيقاته الشرعية والفقهية المرنة التي لا توجد في مثله مِن الأديان الوثنية أو البشرية أو حتى الرسالات السماوية التي سبقته، وذلك لأن كل مِنها كانت محدودة بالأمة الخاصة بها ولعدم وصول البشرية إلى النضج التواصلي الذي صار من عهد الإسلام وتزايد إلى اليوم حتى صار كالقرية الواحدة أو الصغيرة.

ومِن هنا : فإن الإنسان منذ قديم الزمان ونشأة الحروب لمختلف الأسباب – سيادية قبلية انتقامية سطو احتلال إلخ – وقد عرف نظام الرق أو العبودية كحل أمثل مع المنهزمين أو الأسرى الذين يقعون تحت يديه، وخاصة النساء والأطفال الذين يبقون بعد القتل بلا مأوى أو عائل يعيلهم وهم في حد ذاتهم ثروة بشرية في تلك الأزمان للاستخدام في الخدمة أو الزواج أو التسري بهن (التسري هو استمتاع السيد بما يملكه ويختاره مِما ملكت يمينه كاستمتاع الزوج بزوجته وإنجابه منها أولادا كأولاده وكما في قصص العديد من الأنبياء من قبل مثل إبراهيم عليه السلام وهاجر ومثل يعقوب وغيرهما) 

إذ لم يكن هناك أي معنى في تلك العصور لترك مثل هؤلاء ليعودوا فينتقموا، أو ترك النساء للجوع يقتلهم أو تركهن ليتصرفن في أنفسهن بالبيع للخدمة أو حتى العمل في الدعارة أو البغاء ليتحصلن على قوتهن وقوت أولادهن الصغار إن وُجدوا.
وكان هذا الأوفق لضم مثل هؤلاء الرجال والنساء والأطفال تحت سلك نظام مجتمعي يضمن لهم الحياة والعيش بدلاً مِن أن يفتح لهم طرائق السرقة والتعدي والفساد والإفساد. حتى أن بعض منظري الفلسفة اليونانية القديمة اعتبروا الرق والعبودية في تلك الأزمان ضرورة حياتية ومنطقية جدا !! 

ومِن هنا ظهرت تجارات كاملة في مسألة الرق أو العبيد في كل بقعة مِن بقاع العالم القديم تقريبا .

فهذه كانت الأوضاع الموجودة بالفعل في كل الأمم والأديان قبل الإسلام، وكانت مُتعارفة بين الناس بحلوها ومُرها، وهنا نسأل: ما الذي تميز به الإسلام بشرعه الإلهي في هذه المسألة؟

أولا :
لم يُخالف الإسلام غيره في الإبقاء على أصل نظام الرق، ولكنه جعله حلا اختياريًا بيد الحاكم وليس حتميا كما يحاولون تشويه الإسلام به للأسف، نرى ذلك في حرية التعامل مع المنهزمين أو الأسرى وأهليهم عند المسلمين، واختيار الحاكم بين العفو المُطلق عنهم وإطلاق سراحهم بغير مقابل، أو السماح بمقابل أو فدية لهم، أو استغلال الإبقاء عليهم لمبادلة أسرى مسلمين عند العدو، فكل هذه الحلول هي مطروحة بين يدي ولي الأمر. وإلا فإنه مِن غير المنطقي أن يأسر ويستعبد أعداء الإسلام المسلمين ثم لا يكون هناك المِثل بيد المسلمين !! 

ولا زال التاريخ المُشرق للإسلام يذكر العفو المُطلق عن الكافرين المُنهزمين بغير مُقابل ليضحد أسطورة الرق والتشفي التي يتم إلصاقها بالإسلام، فها هو رسول الله صلى الله عليـه وسلم بعد فتح مكة وذل أهلها بين يديه وهم الذين اضطهدوه وأصحابه مِن قبل بالمضايقات والقتل والتعذيب يُخبرهم جميعًا بأنهم طلقاء أحرار !! وها هو صلاح الدين الأيوبي وأخيه العادل يُطلقون سراح الآلاف مِن الصليبيين بعد هزيمتهم في حطين رحمةً بهم وبنسائهم وأطفالهم الذين تركهم كبار القساوسة وهربوا بأموالهم وذهبهم ولم يفكروا حتى بفدائهم !!

إذن نخرج مِن هنا بأن الرق في نظر الإسلام هو مجرد اختيار مطروح مِن بين خيارات عديدة أخرى حسب الحاجة والمصلحة الدينية والدنيوية والسياسية وليس اختيارا حتميا كما وضحناه !!
بل وكان الإسلام يرى فيه خيرا كبيرا للرقيق مِن جهتين، الأولى وهي المعاملة الحسنة الفريدة التي لم توجد في غير الإسلام بالفعل معهم، والثانية هي فتح باب عرض الإسلام عليهم ومعاينته على أرض الواقع فيدخل فيه مَن يدخله مِنهم فيكون قد نجا في الآخرة أيضا مِن الكفر.

ثانيا :
خالف الإسلام غيره في حصر مصدر وسبب الرق في الحرب فقط، وكأن في ذلك حكمة وهي ان الكافر الذي حارب المسلمين كيلا يكون عبدا لله : استحق أن يكون عبدا لغير الله وهو إنسان مثله ، في حين حرّم الإسلام ذلك عن أي طريق آخر يتحول فيه الإنسان الذي خلقه الله تعالى حرا إلى عبد، مثل السطو مثلا أو السرقة والتعدي إلخ. ولذا جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليـه وسلم قوله:
" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حُرا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يُعطه أجره ".

ثالثا :
خالف الإسلام غيره أيضا في الإعلاء مِن قيمة عتق رقبة العبيد والحث عليها والترغيب فيها ومضاعفة أجرها لمَن يريد، يقول الله عز وجل:
" فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة * يتيمًا ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة " البلد 11 – 16.

والعقبة هنا هي الحائل بين الإنسان الصالح وفعل الخيرات ، فيتخطاها بعتق رقبة أو إطعام في يوم شديد القحط والجوع يتيمًا أو مسكينا.
وكذلك يقول الرسول صلى الله عليـه وسلم:
" مَن أعتق رقبة مسلمة: أعتق الله بكل عضو منه عضوا مِنه مِن النار " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

بل : قد جعل الله تعالى ورسوله مِن عتق الرقبة: كفارة لبعض كبار الذنوب والآثام !!
ففي قتل المؤمن بغير قصد (سواء مِن بين المسلمين أو كان مِن قوم عدو للمسلمين أو قوم بيننا وبينهم ميثاق): فتحرير رقبة مؤمنة.
وفي اللغو في الأيمان (أي الذين يحلفون ويُقسمون ثم يحنثون في حلفهم أو قسمهم): فتحرير رقبة. 
وأيضًا في الظهار (أي قول الرجل لزوجته أنت علي كظهر أمي فيتمنع بذلك مِن جماعها وقد نهى عنه الإسلام) فعليه بتحرير رقبة قبل أن يعود إليها.
وكذلك في الذي يُـفسد صيامه بجماع زوجته في رمضان: فعليه بعتق رقبة.

ولذلك لم تشهد أمة مِن الأمم حالا أيسر للعبيد والرق بين جنباتها وكثرة تحرير لهم وعتقهم بالعشرات أحيانا رحمة وجودا وسخاء مثل أمة الإسلام. وبالصورة التي كفلت تناقص العبيد تدريجيا حتى اختفوا مِنها: في حين بقيت العبودية لدى أمريكا نفسها – داعية الحرية وحقوق الإنسان – إلى قرن واحد فقط مضى وصاحبها اضطهاد وازدراء للعبيد – وخاصة الزنوج أو السود - وكأنهم جنس أدنى مِن البشر !

رابعا :
وهو مِن أهم ما تميز به الإسلام عن غيره ولم يعرف له العالم مثيلا في سموه ورقيه ورحمته: وهو وضع عدد كبير مِن التشريعات القرآنية والنبوية لصالح العبيد، وبالصورة التي تجعلنا ندرك أن حالهم بين جنبات الإسلام على مر القرون هو أفضل مِن حال موظفين اليوم وخدم وعاملين ومسجونين ومعتقلين وأسرى وأسيرات!! 

بل وإلى الدرجة التي يقول فيها أبو هريرة الصحابي الجليل رضي الله عنه وكما في صحيح البخاري:
" قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: للعبد المملوك الصالح أجران (أي أجر طاعته لربه وأجر طاعته لمالكه أو سيده) " ثم يقول أبو هريرة:
" والذي نفسي بيده (وهي صيغة قسم بالله): لولا الجهاد في سبيل الله والحَج وبر أمي: لأحببت أن أموت وأنا مملوك " !!..

فما هي أمثلة تلك التشريعات السامية التي كفلها الإسلام لرفعة حال العبيد والرقيق ورفع الظلم عنهم؟
------------------------------------------------

1- جعل النبي المَخرج لمَن يؤذي عبدا له أو غلاما أو جارية أن يُعتق رقبته !! فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : " كنت أضرب غلامًا لي (أي مملوكا صغير السن، والمملوكة الصغيرة تسمى جارية)، فسمعت مِن خلفي صوتا يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود: لله أقدر عليك مِنك عليه !! فالتفت.. فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم !! فقلت: يا رسول الله.. هو حرٌ لوجه الله تعالى !! فقال له: أما إنك لو لم تفعل: للفعتك النار " !! رواه الإمام مسلم في صحيحه.

2- جعل الله تعالى الحق لأي عبد (وهو الرجل أو الغلام المملوك) أو أمة (وهي المرأة أو الجارية المملوكة) أن يُكاتب سيده على عطاء معين مِن مال أو غيره بحيث إذا أداه له في فترة معينة أن يُعتق رقبته!! فهل سمع أحد بمثل ذلك في أمة مِن الأمم؟! أن يكون مثل ذلك التصرف الإنساني الراقي هو مِن التشريع والدين نفسه بل: ويجعله الله تعالى مِن مصارف الزكاة الثمانية في عتق رقاب العبيد؟! وبالطبع المُكاتبة تعطي مؤشرًا مُجتمعيًا على أن العبد أو الأمة صار في حال يمكنه التكسب فيه لنفسه بالعمل الحلال بجانب خدمته لسيده، وأنه لو نال حريته فلن يكون عالة على المجتمع.

3- وحتى إذا مات رجل وترك مِن ميراثه عبدا أو أكثر – لأن العبيد كان يتم بيعهم وشرائهم كما قلنا على حسب مدى منفعته لأهله أو الناس – فإذا قرر أحد الورثة عتق رقبة ذلك العبد بمال يدفعه لهم: كان على هؤلاء الورثة (وجوبا) أن يبيعوه نصيبهم في ذلك العبد ليُعتقه !!

4- أيضا أمر النبي كل مسلم تحت يده أو في ملك يمينه عبد أو أمة أو أكثر: أن يُطعمه مما يطعم !! وأن يُلبسه مما يلبس !! وبلا أي فروقات ظاهرية بينهم في مستوى المعيشة !! فقال صلى الله عليه وسلـم: "إخوانكم : جعلهم الله تحت أيديكم (وانظروا لوصف العبيد بإخوان المسلمين) ، فمَن كان أخوه تحت يديه: فليُطعمه مِما يأكل !! وليُـكسه مِما يلبس !! ولا يُكلفه ما يغلبه (أي ما لا يستطيع فعله مِن الأعمال الشاقة) !! فإن كلفه ما يغلبه : فليُعينه" !! نقول: وهذا ما لا يجده أغلب الخدم أنفسهم والموظفين والعمال اليوم في القرن الواحد والعشرين مِن المعاملة والرفق !! والحديث رواه أبو داود وصححه الألباني.

5- كذلك بالنسبة للمرأة المملوكة، نقرأ معا هذا الحديث العجيب والوصاية السامية بها حيث يقول رسول الله صلـى الله عليه وسلم: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين (لأنهم فعلوا الخير مرة وأحسنوا بإكماله مرة أخرى حينما تيسر لهم) : رجلٌ مِن أهل الكتاب آمن بنبيه: وأدرك النبى صلى الله عليه وسلم وآمن به واتبعه وصدقه فله أجران، وعبدٌ مملوكٌ أدى حق الله: وحق سيده فله أجران، ورجلٌ كانت له أمة: فغذاها فأحسن غذاءها ثم أدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران" !! رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما !! فأين مَن يُصورون حال المرأة في الإسلام والرق بالتوحش والتعدي والاغتصاب والدونية والهمجية والقهر؟!

6- بل بلغت رأفة الإسلام بالمرأة المملوكة أنها إذا كان لها زوجٌ مملوكٌ مثلها – سواء لنفس السيد أو غيره – ثم أعتقها سيدها أو كاتبته فأعتقت نفسها: فلها الخيار ساعتها أن تبقى في عصمة زوجها المملوك أو يتم تفريقها عنه إذا كان يجرحها أن تكون حُرة وزوجها عبد !!

7- بل وبلغ احترام الإسلام لإنسانيتها – ولنقارن ذلك بفواجع وهمجية الاغتصاب والاغتصاب الجماعي الذي يتم للنساء في الحروب وفي السجون والمعتقلات – أننا لم يبلغنا حالة واحدة ولا في أي كتاب مِن كتب السيرة أو التاريخ أو الأحاديث أن مسلما أجبر أمته أو مَلكة يمينه على الجماع أو التسري بها !! وهذا رد قاصم على مثيري الشبهات الذي يفترون على الإسلام والمسلمين الكذب والفحش والزور بغير دليل واحد لو طالبتهم به !! بل بلغ مِن عظمة التشريع الإنساني أن الأمة أو مَلكة اليمين إذا رضيت هي نفسها بالجماع: فلا يحق لسيدها جماعها قبل شهر أو شهرين استبراء لرحمها لو كانت متزوجة مِن قبل – وحتى لا تختلط الأنساب – وأما إذا كانت حاملا : فلا يقربها سيدها قبل أن تضع أو كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسـلم: " لا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر: أن يسقي ماءه زرع غيره !! ولا يحل لامرئ يُؤمن بالله واليوم الآخر: أن يقع على امرأة مِن السبي حتى يستبرئها " !! صحيح الجامع الصغير للألباني 2/ 6507. 

وفي تشريع جواز تسري السيد بملكة يمينه مراعاة لمشاعر الأمة وخصوصا إذا كانت صغيرة أو شابة أو لها رغبة في الجماع، فيكون قد كفل لها تلبية شهوتها الإنسانية المُباحة بعيدا عن الوقوع في رذيلة الزنا أو البغاء وإفساد المجتمع المُترتب عليه، وهذا فيه مِن حكمة الشرع ما فيه لمَن يعقل. وبغير جبر أو اغتصاب كما قلنا.

8- بل وبمجرد أن تصير المرأة سرية لسيدها، فإنها لا تتزوج ولا يقربها أحد غيره – أي تصير بمنزلة الزوجة في حُرمتها على غيره – وكذلك إذا زوجها سيدها بعبد آخر أو حُر: فلا يحل لسيدها أن يقربها أو يواقعها أو يرى مِنها ما لا يجوز إلا ما يتبدى مِنها حال الخدمة. أيضا إذا تسرى السيد بأمته أو مَلكة يمينه فولدت مِنه: فبذلك تضمن حريتها بعد موت سيدها أو كما قال عمر رضي الله عنه: " أيما أمة ولدت مِن سيدها: فهي حُرة بعد موته، إلا أن يعتقها قبل موته " !! والحديث وإن كان ضعيفا لأنه موقوف على عمر رضي الله عنه - انظر الجامع الصغير للألباني 2218 – إلا أن العمل عليه في الفقه لأن النبي أمرنا باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعده ومنهم عمر. 

9- وكذلك لا يحق للسيد أن يمنع عبده إذا ما أراد الزواج. بل يحثه الإسلام على تيسير ذلك له ومساعدته فيه إذا استطاع !!

10- أيضًا قد جعل الله تعالى برحمته عقاب أو حدود العبيد أو الإماء: هي النصف مِن عقاب أو حدود الأحرار حتى في الزنا !! وذلك رأفة بهم ومراعاة لانكسار أمرهم في المجتمع وقلة الأسري ومِن الأهل لهم أو تجني الفسقة عليهم أكثر مِن غيرهم. بل وأخبر سبحانه أنه إذا أجبر أحد الناس إماءه أو فتياته على البغاء أو الزنا فليس عليهن ذنب لأنهن مجبورات بغير رضاهن، فيغفر الله لهن وتكون العقوبة على السيد نفسه. 
-----------------------------------------------------

وأخيرا :
نأتي إلى السؤال الختام الذي غالبا ما يطرحه البعض بهدف إحراج الإسلام وفقهه وشرعه وهو: هل نقول أن تشريع الرق انتهى اليوم بانتفاء الحاجة إليه؟ فنقول لهم:

إذا تبصرنا في أحوال الرقيق التي سردنا بعضها فقط في الأعلى، لوجدناها أرقى وأسمى مِن الكثير مما وقع ويقع مِن مآسي الحروب وما تخلفه وراءها مِن جرائم قتل وإبادة للعزل والضعفاء والمدنيين مِن الرجال والنساء والأطفال وكبار السن. ولوجدنا ان نظام الرق في الإسلام هو أقرب للعمل في البيوت بغير أجر إلا الطعام مِما يطعمه أهل البيت والاكتساء مِما يكتسون سواء بسواء !! وأنه لا يُكلف ما لا يطيق مِن الأعمال إلا أن يُساعدوه عليها !! وأنه يبقى مِن موالي أهل البيت حتى بعد عتقه، وأنه له الحرية – بموافقة سيده – أن يعمل عملا جانبيا خارج البيت للتكسب أو تمهيدا للمكاتبة أو عتق رقبته وخصوصا إذا أسلم – وقد شهد التاريخ الإسلامي دولة بأكملها نشأت على أكتافهم وهي دولة المماليك وكانت في حينها مِن أقوى الدول الإسلامية! – 

وعليه: فالإسلام لا مانع لديه مِن عودة نظام الرق إذا عاد بالمثل في العالم كله، أو اضطرته الظروف إليه وتراضى به السادة والمملوكون أنفسهم لو اختاروه على حياة السجن أو الاعتقال والأسر لأعوام بغير حياة وأهل وزواج وعمل !! بل سيصير ساعتها – إذا تقبله هؤلاء وهؤلاء - هو الحل الأبسط والأقل كلفة مِن إنشاء السجون والمعتقلات وتكاليفها الباهظة مِن حراسة وأمن وطعام ونحوه. ويبقى الأمر – وكما وضحناه في أول الإجابة – اختيارا مُتاحا للحاكم وليس إلزاميا أو حتميا كما يظنه البعض مِن كثرة ما يُشاع عنه من أكاذيب وتشويهات.
والحُكم على الشيء : فرع عن تصوره ........

--------------------------------------------------------------
سؤال من أحد زوار الصفحة وجواب الأدمن عليه 
--------------------------------------------------------------

Hussein Al Dabbagh 
احسن الله اليكم..
كيف نتأكد من النقطة الثانية ... اقصد ما الادلة على حصرها في وقت الحروب.


حقيقة الملحدين والعلمانيين العرب
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أبو هريرة مرفوعا : 
" قال الله تعالى : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره " رواه مسلم 

ومن هنا يتبين لنا كيف ربط الإسلام الرق بالجهاد فقط وجعله اختيارا بيد الحاكم - ولهذا لم يتم تحريمه .. فالأسرى في الحرب لهم إما العفو وإطلاق السراح (لمن يرى الإمام أنهم أهل لذلك) أو القتل (لمن يطلق عليهم بالاصطلاح الحديث مجرمو الحرب) أو الفداء (مقابل فدية أو مقابل أسرى مسلمين أو أي اتفاق بين طرفي الحرب) .. لكن تبقى فئة من الأسرى لا يندرجون تحت أي من التصنيفات السابقة : ليسوا مستحقين للقتل ولا للعفو ولم يفتدهم أحد من المعسكر الآخر ، فهؤلاء بدلاً من أن يدخلوا السجون ويكونوا عبئًا على الدولة (إقامة وطعام وشراب وحراسة) - ، يتم بيعهم للمواطنين كعبيد وإماء لينتفع المجتمع بجهودهم وحتى يكونوا محلاً للدعوة إلى الإسلام .

فكان الجهاد بذلك هو السبب الوحيد للرق في الإسلام وليس كما كان في الأمم السابقة واللاحقة من ظلم وعدوان على الأحرار بغير حق .. 

فلما حدث في العصر الحديث أن اتفقت الأمم على ميثاق معين لتبادل الأسرى بحيث لا يكون هناك من هو خارج إطار التصنيفات السابقة (العفو - القتل - الفداء) أغلق الباب الوحيد للرق في الإسلام، لكن إذا تغير الزمان عاد الرق بنفس هذا الاعتبار 

ملحوظة : يقال أن الملك محمد الفاتح كان أول من عقد معاهدة في أوروبا لإلغاء الرق من الجانبين على أسرى الحرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق